يُعتقد عمومًا أن حركة الفن الحديث في إيران ازدهرت في أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، وهي الفترة التي تولى فيها حكم البلاد محمد رضا شاه بهلوي، الذي يشار إليه غالبًا باسم الشاه، حكمًا علمانيًا استبداديًا، وذلك من عام 1941 إلى عام 1979. وصل بهلوي إلى سدة الحكم بعد أن خلف والده رضا شاه. في عهده، ازدهرت علاقة إيران بالولايات المتحدة الأمريكية. وأدى تزايد الاتصال بالغرب إلى دخول موجة من التأثيرات الفنية الغربية على المشهد الفني الإيراني، مما كتب نهاية تدريجية لأسلوب الرسم الأكاديمي الصارم. كان ذلك أيضًا في أعقاب وفاة الرسام كمال الملك (1852-1940) الذي تأثر بشدة بدراسته أسلوب الرسم الأوروبي في بداية القرن العشرين. أراد الفنانون الإيرانيون في ذلك الوقت التحرر من النمط الغربي للرسم الواقعي الذي كان مفضلًا في السابق، فاتجهوا نحو الابتكار بدلًا من التقليد حيث سعى العديد منهم إلى صياغة شكل فريد من أشكال الفن الإيراني الحديث.
يُعد ماركو غريغوريان (1925-2007) من الأمثلة البارزة على الفنانين الذين جسدوا هذا التغير في الاتجاهات الفنية بما يعكس التحولات السياسية والاجتماعية في إيران في ذلك الوقت. اهتم غريغوريان اهتمامًا كبيرًا بالفن الشعبي، وقدّم أعمالًا تجريدية بشكل كبير، تُجسّد عناصر الأرض والمناظر الطبيعية الصحراوية والمساكن الأصلية وشملت أيضًا الطين والأرض الجرداء. كما لجأ تلميذه حسين زندرودي (من مواليد 1937) إلى اللغة التجريدية، ودمج الألوان الغنية وعناصر الخط الفارسي والطلاسم وغيرها من الأشياء الجمالية في أعماله كدعوة إلى تأمل الجوانب الروحانية والحياة اليومية.
ظهر مصطلح "السقاخانة" بعد فترة قصيرة من قيام الباحث والناقد الفني كريم إمامي بمقارنة أعمال زندرودي بالأشياء والعناصر الموجودة في السقاخانات أو سقّايات المياه العامة التي تم إنشاؤها في ذكرى شهداء الشيعة في كربلاء الذين حرموا من الماء خلال معركة كربلاء عام 680 م. صاغ كريم إمامي هذا المصطلح في عام 1963 لوصف أسلوب مجموعة من الفنانين الإيرانيين الذين كانوا قد عرضوا أعمالهم قبل ذلك بفترة قصيرة في بينالي طهران عام 1962، من بينهم برفيز تنافولي (من مواليد 1937) وسياه أرماجاني (من مواليد 1939). وقد استخدم تنافولي، حينها، نقوش مستمدة من الكتابة المسمارية ورخارف السقاخانة في أعماله الفنية التي شملت لوحات ومنحوتات وسجاد.
فكانت السقاخانة بمثابة أول حركة فنية في إيران ابتعدت عن الأساليب الغربية وصاغت لغة فنية إيرانية حديثة ترتكز على التقاليد الشعبية والممارسات المعاصرة. إضافة إلى ذلك، تعكس هذه الحركة ارتفاع مستوى الرعاية والإنفاق لدعم المجال الفني في عهد الشاه محمد رضا بهلوي والإمبراطورة فرح ديبا، مما يدل بدوره على ازدهار اقتصاد إيران في تلك الفترة، حيث أُقيمت أعداد لا حصر لها من المعارض والبيناليات، وتم إنشاء صالات العرض، بما في ذلك أبادانا، وسيهون، وبورغيزي. وأصبح المشهد الفني الإيراني منفتحًا على العالم، كما دعمت الحكومة، عبر مؤسسة بهلوي ووزارة الثقافة، نموه في الداخل ومن خلال دعوة كبار الفنانين وجامعي الأعمال الفنية بالخارج. علاوة على ذلك، أقيم مهرجان شيراز للفنون للمرة الأولى في عام 1967 بدعم كبير من الحكومة. جسدت هذه الحقبة مرحلة تاريخية تنعمت فيها البلاد بثروة اقتصادية هائلة شملت رعاية الفنون والثقافة وتوفير فرص جديدة للفنانين لصياغة لغة فنية خاصة بهم وإعادة تعريف الأسلوب الفني الإيراني بطريقتهم الخاصة، فترة من الاحتفاء بازدهار الفن والإبداع. وهكذا، أُطلق اسم مدرسة السقاخانة على مجموعة الفنانين الذين استخدموا هذا الأسلوب في أعمالهم التي لاتزال تحمل أهمية كبيرة حيث تذكرنا بالمشهد الفني الغني في إيران ما قبل الثورة.
من ناحية أخرى، قدّم تنافولي في وقت لاحق سلسلة من الأعمال الفنية التي أطلق عليها اسم "هيتش" - وهي كلمة في اللغة الفارسية تعني "اللاشيء" - ردًا على الاندفاع الذي شهده عالم الفن نحو أسلوب السقاخانة وتدفق التأثيرات الفنية الغربية الحديثة إلى البلاد. كتب تنافولي على موقعه الإلكتروني: "مع ذلك، لم يكن 'اللاشيء' أو ‘الهيتش’ بالنسبة لي مشوبًا بتهكّم الفنانين الغربيين. كان هذا 'اللاشيء' الخاص بي هو انعدام الأمل والصداقة، دون السعي إلى الإنكار. فهو، في مخيلتي، لم يكن كحياة لم تثمر عن شيء، بل كان لاشيء ممتلئ بالحياة نفسها". تعود أحدى تفسيرات كلمة هيتش إلى الصوفية الفارسية، حيث يرتبط مفهوم "اللاشيء" بواحدة من قدرات الله عز وجل، الذي يخلق كل شيء من العدم.
استمر الفن، في هذه الفترة، بالازدهار بفضل الاستكشافات والرعاية الفنية. وفي عام 1977، فتح متحف طهران للفن المعاصر أبوابه أمام المجتمع الفني الإيراني والعالم، وعُرضت في داخله مجموعة من الأعمال الفنية المهمة لفنانين إيرانيين وغربيين. في تلك الفترة، برز اسم الفنان محمد إحسائي (من مواليد 1939) في الساحة الفنية بفضل لوحاته التعبيرية التجريدية التي وظف فيها فن الخط بتدرجات لونية غنية وحيوية، كما اقتبست أعماله من الاتجاهات الفنية التي بادر بها فنانو السقاخانة في السابق حيث دمج الحروف التجريدية المتحررة من المعنى في الرسومات الحديثة.
فجأة، تغير كل شيء إثر اندلاع ثورة 1979، التي أسفرت عن الإطاحة بالأسرة البهلوية وتأسيس جمهورية إسلامية تحت قيادة روح الله موسوي الخميني، أول مرشد أعلى لإيران، والذي تولى حكم البلاد حتى وفاته عام 1989. غيّرت الثورة ديناميكيات المشهد الفني، وقسّمت تاريخ إيران وفنها إلى قسمين: ما قبل الثورة وما بعد الثورة. وتم فرض منهاج جديد في الجامعات التي تُدرّس الفن، والذي كان لابد أن يتوافق مع الرواية الرسمية. أصبح التصوير الفوتوغرافي والسينما وسيلة جديدة لممارسة حرية التعبير الفني، على الرغم من خضوع كلاهما إلى الرقابة رسميًا. فقد تم توثيق الثورة نفسها من قبل المصورين الإيرانيين عباس وكاوه جولستان، وغيرهم. استمر مسار الإبداع الفني، الذي يُعد شكل من أشكال المقاومة في حد ذاته بالنسبة للعديد من الإيرانيين حتى يومنا هذا، ولكنه لجأ إلى السرية بينما احتفظ بحيويته والسعي الشغوف نحو الابتكار والفردية.