نبذة عن الفنان

نبذة عن الفنانة هوغيت كالان

مؤلف
روعة طلس
نشرت
2 فبراير 2024

" أعشق كل دقيقة من حياتي...اعتصر الحياة كبرتقالة ألتهمها حتى القشرة لأنني لا أريد أن يفوتني أي شيء". صاحبة هذه الكلمات التي تشدو بالحرية هي الفنانة اللبنانية المعروفة هوغيت كالان التي توفيت في عام 2019 عن عمر يناهز 88 عامًا. كالان، هذه الفنانة غير التقليدية التي استمر عهدها بالفن لخمسة عقود شغلت فيهم فضاء فنون النحت والتصميم، لم تستوقفها الحدود، بل تجاوزتها بلوحاتها الحسيّة وخياراتها الشخصية، وعاشت الحياة، مستمتعة بها على أكمل وجه.

ولدت الفنانة هوغيت كالان في بيروت عام 1931، وهي أبنة السياسي بشارة الخوري، أول رئيس للجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال من الحكم الفرنسي في عام 1943. عندما كانت في الحادية والعشرين من عمرها، تزوجت من رجل فرنسي يُدعى بول كالان، مما شكّل صدمة لأسرتها نظرًا لخلفيته الفرنسية. توفي والدها عام 1964 حين كان عمر كالان ثلاثة وثلاثين عامًا، وكانت وقتها أمًا لثلاثة أطفال.

 

يبدو أن الفنانة اعترتها مشاعر متضاربة بشأن وفاة والدها، حيث قالت أبنتها، بريجيت، في مقال نشرته مجلة "آرتسي"، أن كالان "شعرت بالحرية لأول مرة في حياتها" بعد وفاة والدها، الأمر الذي خلّف شعور بـ"الفراغ والدافعية المُلحّة"، فالتحقت بصفوف الفن في الجامعة الأمريكية ببيروت. ويُقال أنها قدّمت أول عمل فني لها في عام 1964، أي في مرحلة متأخرة من حياتها. حمل هذا العمل عنوان "شمس حمراء" (Soleil rouge) حيث رسمت نقطة حمراء تنتشر على سطح اللوحة كانتشار الموج. وقد قالت بريجيت في وقت سابق أن والدتها: "كانت تعرف أنها فنانة، وأرادت أن تكون كذلك، وكانت هذه هي طريقتها للتعبير عن نفسها".

 

كانت بيروت موطن الفنانة، لكن هناك مدينة أخرى لها دور كبير في حياتها وهي باريس التي انتقلت إليها كالان عام 1970 حين كانت في آواخر الثلاثينات من عمرها، مدفوعة برغبة فنية تملكتها حتى التفاني، تاركةً عائلتها ورائها. قالت بريجيت كالان في مقال نشره آرت دبي: "في لبنان، كانت شخص خارج عن المألوف؛ أما في فرنسا، فقد تمتعت بقدر أكبر من الحرية، فتغيّرت خطوطها وتعابيرها. في هذا الوقت، كان والداي قد انفصلا، وهناك لحظات لم يكن الأمر فيها سهلًا، لكن ذلك كله جزء من عملية النمو. لقد كانت محقة في الرحيل من أجل مواصلة مسيرتها الفنية وأحلامها، وهي قدوة لنا جميعًا".

 

في السبعينيات، صنعت كالان صورًا تجريدية مُحيّرة لجسم الإنسان، ركّزت على العيون، والشفاه، والأفواه، والأنوف، كما هو واضح في سلسلة أعمالها بعنوان "دقائق الجسد" (Bribes de corps) التي تُجسّد "مناظر جسديّة" تشبه المناظر الطبيعية الملساء والرسم الميداني الملّون، مما أظهر جراءة كالان الفنيّة وانبهارها بالجسد الذي غازلته في أعمالها. وغالبًا ما عبّرت عن ذلك بأساليب مينيمالية تقليلية، مُستخدمةً خطوط بسيطة مثّلت مُكوّن هام من مكونات فنها. وقد قالت الفنانة ذات مرة: "خطوطي تحكي قصة حياتي، عن أناس التقيتهم على طول الدرب، أشخاص أحببتهم، وجدتهم، وفقدتهم". يُقال أيضًا أن أعمال كالان حررت الجسد الأنثوي واحتفت بمنحنياته وامتلائه في وقت لم يكن فيه المجتمع على هذا النحو.

 

وكحال الكثير من النساء، يُقال إن كالان عانت من مظهر جسدها، وفي مرحلة ما، عاشت دون قيود حتى زاد وزنها عن 200 رطل. رفضت الفنانة ارتداء الملابس الضيقة، فصمّمت قطع من القفطان الواسع والفضفاض، عليها رسومات لتشريح جسم الإنسان، وارتدتها حتى خلال فترة وجودها في باريس. وهناك حكاية معروفة لموقف حدث بين كالان والمصمم الفرنسي الشهير بيير كاردان الذي أُعجب بأناقتها عندما دخلت متجره، وأنبثق عن ذلك تعاونهما معًا في عام 1974، حيث صممت له مجموعة خاصة بعنوان "نور".

 

عاشت الفنانة في باريس لمدة سبعة عشر عامًا. وفي أوائل الثمانينات من القرن الماضي، التقت بالنحات الروماني جورج أبوستو، حيث جمعتهما علاقة وثيقة. وعقب وفاة أبوستو في عام 1986، انتقلت إلى مدينتي البندقية ولوس أنجلوس، وكانت وقتها في منتصف الخمسينيات من العمر. وفي مرحلة ما، عاش أبناءها الثلاثة بالقرب منها، وواصلت كالان ممارسة الفن، وأعدّت لنفسها مساحة واسعة لم تكن بها أبواب داخلية تُشعرها بأنها محاصرة. كتبت كاثرين ك. سيلي في صحيفة نيويورك تايمز: "هناك، استطاعت شراء مكان غير مطوّر في حي بالبندقية من الفنان سام فرانسيس، وصنعت بيتًا رائعًا، قصرًا يُشبه القلعة يتضمن مساحة كاتدرائية شاهقة واتخذت منها استديو لها، واستمتعت باستضافة عدد من أصدقائها الفنانين مثل إد موزس".

 

بيد أن شيئًا ما لم يكن على ما يُرام، حيث لم تُؤخذ كالان على محمل جد كفنانة من قبل أقرانها. تقول بريجيت كالان: "في البداية، أرادت أن تندمج في المشهد الفني، وقد كانت جزء منه، لكنها ظلت غريبة عنه، وقد آلمها ذلك لبعض الوقت. كانت تعمل بكثافة، وتقيم فعاليات مفتوحة وحفلات ورحبت بالكثيرين في بيتها، لكن كان يحزنها قليلًا أن الناس يأتون لتناول الطعام والشراب ولا أحد يقوم بزيارة الاستديو الخاص بها، أو يبذل جهد المشي من غرفة الطعام إلى مكان عملها. ولسوء الحظ، هذا التقدير لم يحدث سوى الآن".

 

بحلول عام 2012، تدهورت صحتها وتوقفت عن العمل. وما زاد الأمور سوءًا، أن زوجها – الذي بقي كذلك إذ لم يحدث طلاق بينهما - عانى أيضًا. وفي عام 2013، قررت الفنانة العودة إلى بيروت، المكان الذي بدأ فيه كل شيء، وتوفي زوجها بعد يومين فقط من وصولها. واصلت كالان العيش في لبنان حتى وفاتها بعد ست سنوات.

 

وكما قالت أبنة كالان، فإن تقدير والدتها كفنانة جاء في وقت متأخر، حيث تحظى أعمالها اليوم بتقدير الكثيرين، بما في ذلك جامعي الأعمال الفنية، والباحثين المتخصصين في مجال الفن ومحبيه، والمؤسسات العامة. تشمل المعارض البارزة لأعمال كالان مركز بيروت للمعارض (2013) الذي أقام أول معرض استيعادي لها، ومعرض "تيت سانت آيفز" (2019)، ومتحف: المتحف العربي للفن الحديث (2020). على الرغم من أن فنها قد يكون مصدر محبة الناس لها، إلا أن نظرة كالان الإيجابية للحياة هي أيضًا أكثر ما يذكره الناس عنها. قالت الفنانة ذات مرة: "الحياة لا ينبغي أن تكون عقابًا، وهي كذلك بالنسبة للكثيرين. أعترف بأنني محظوظة، لكنني أعتقد أن شخصيتي هي أكبر امتياز حظيت به، لأنني ولدت سعيدة".