نبذة عن الفنان

صفوان داحول

فنان
صفوان دحول
مؤلف
روعة طلس
نشرت
23 مارس 2023

أحد الفنانين الذين أجريت معهم مقابلة خلال فترة الإغلاق ضد تفشي فيروس كوفيد-19 في عام 2020 هو الفنان التشكيلي السوري المعروف صفوان داحول الذي تمتد مسيرته المهنية لما يزيد عن ثلاثة عقود. ونظرًا لعدم إمكانية إجراء المقابلات وجهًا لوجه في ذلك الوقت، تحدثنا معًا على الهاتف، في ضوء معرضه بـ"غاليري أيام" في دبي والذي كان قد تم افتتاحه حديثًا حينها. حمل إلي الهاتف صوته لطيفًا، هادئًا، يبعث على الطمأنينة في وقت ساد فيه حالة من غياب اليقين وعدم وضوح المستقبل، هذا اللطف أيضًا تسلل إلى لوحاته وتخللها ليبث فيها الحياة.

قال لي داحول: "إن وضعت على لوحتي تاريخ عام 2020، فهذا يُحتّم أن تُجسّد اللوحة سمة هذه الفترة الزمنية وجوهرها، كأن أصوّر شخصَا ينتمي إلى فترة من الزمان كنا فيها جميعًا عالقين في منازلنا. ما أود أن أقوله هو إن شيء ما بداخلنا قد تغيّر بسبب تلك القيود، وأنا أعتبر نفسي شاهدًا على ذلك ولوحاتي شهادة يجب أن تعكس بصدق هذه اللحظة وهذا الوقت الذي نعيش فيه".

وُلِد صفوان داحول في مدينة حماة بسوريا عام 1961، ودَرَس في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، ثم حصل بعد ذلك بفرصة للدراسة في بلجيكا حيث نال شهادة الدكتوراة من المعهد العالي للفنون التشكيلية في مونس. وعقب عودته إلى سوريا، شغل الفنان منصب تدريس في الجامعة التي تخرّج منها وتتلمذ على يده جيل جديد من الفنانين. اليوم، تنضم أعماله الفنية ذات الملامح الشاعرية إلى مجموعات المقتنيات الخاصة وأيضًا المجموعات العامة، مثلًا في مؤسسة بارجيل للفنون بالشارقة، والمتحف الوطني بدمشق، ومعهد العالمي العربي في باريس.

 

كرّس داحول ممارساته للفن التشخيصي، ونفّذ أعماله بعناية وبلمسات دافئة، في مسيرة استهلها بتصوير عناق العاشقين، مستلهمًا أسلوبه في الرسم من الفن الآشوري والفرعوني، بالإضافة إلى التكعيبية. وقد تحدّث الفنان سابقًا عن إعجابه بالفنانة المكسيكية المؤثرة فريدا كاهلو التي اشتهرت برسمها لبورتريهات ذاتية قويّة، حيث قال في حوار له نشرته مجلة "ساوث إيست رفيو": "أحب عالمها الداخلي، أحب مدى صدقها. كُنت لأخبرها أن كتاب لوحاتها يرافقني دومًا، وكُلّما تصفحته، استعدت قدراتي".

في البداية، وظّف داحول تنوعات اللون في البناء التشكيلي للوحاته، لكن بمرور السنين تحولت لغته اللونية إلى درجات أكثر قتامة وحزنًا، معتمدًا في الغالب على تدرّجات رمادية، وكأنه فراق أبدي بين اللوحة والألوان بتغيراتها. وهناك مقولة مفادها أن " كل الفن هو سيرة ذاتية"، وهذا حتمًا ما ينطبق على الفنان صفوان داحول، فالصمت الذي يُخيّم على لوحاته ذات المساحات الكبيرة يعكس موضوعات صعبة من معترك الحياة، كالحداد والعزلة والصراعات السياسية. قال داحول في حوار سابق له مع صحيفة العرب نيوز: "لطالما كانت حالة الإنسان موضوع أعمالي الفنيّة، فالإنسان، كما يقولون، يتحمل كل شيء، الحزن والسعادة والتوق والحلم. وقد قلت إنني، إلى حدٍ ما، أحمل ما يشبه كاميرا خفيّة، ألتقط اللحظات الإنسانية لشخص ما، وفي النهاية، قد يكون هذا الشخص أنا، وبهذه الكاميرا أود توثيق حياة ذلك الإنسان في جميع الاحتمالات".

تجسّدت هذه النزعة التوثيقية في سلسلته المستمرة التي اشتهر بها بعنوان "حلم"، والتي صاغ فيها داحول عالمًا أخّاذًا، يدعونا إلى الغوص في تجربة تأمليّة عميقة، والتفاعل معها، لنتتبع رحلة بطلتها صاحبة العيون الواسعة المُجسّدة في السلسلة في حالات مكانية ونفسية مختلفة، فتارة، تتزاحم الأرقام في ملامح وجهها، ربما في إشارة إلى حالة من الارتباك الطاغي، وتارة أخرى، نرى عن قرب تجعدات تعلو وجهها، وفي تصوير آخر، يتحطّم قلبها كالزجاج. 

تُصوّر لوحة "حلم 182" التي أبدعها داحول عام 2021، بحسيّة مُغلّفة بسكينة رنانة، هيئة إنسان مغمض العين، تائه في خضم أفكاره، مستريحًا في كنف بحر هادئ. وقد أشار الفنان ذات مرة إلى أن الشخوص في أعماله لا جنس لها، قائلًا: "إنهم بشر. في الواقع، هم كوكبة من المشاعر أكثر من كونهم بشرًا". صنع داحول "حلم" مستخدمًا الأبيض والأسود والرمادي، وقال في مقابلة له نُشرت في مجلة "هاربرز بازار العربية": "مازلت أسأل نفسي ما إذا كان الأبيض هو لون الحياة والتفاؤل أم أنه لون الموت أم كلاهما؟" وبطريقة ما، يعكس غياب اللون التحديات التي واجهها الفنان نفسه وتجاربه الحياتية وتصوره للعالم اليوم. 

أخبرني داحول: "كثير من الناس أشاروا إلى أنني لا أُلوّن لوحاتي. الإنسان هو نتاج عناصر بيئته – سواء كانت جغرافية أو سياسية أو اجتماعية. وأنا في السنوات الأخيرة لم أتمكن من الرسم بالألوان، وسبب ذلك، في رأيي، هو أنني أريد أن أكون مراقبًا حقيقيًا لمحيطي كإنسان سوري وفنان، وليس هناك مساحة للون في الفترة التي أعيش فيها. فبمرور الوقت، أصبحت الألوان باهتة في رأيي". 

في عام 2012، مع اندلاع الحرب في سوريا، غادر داحول مسقط رأسه حاملًا حقيبة واحدة صغيرة، ظنًا منه أنه سيعود بعد فترة قصيرة. ومنذ ذلك الوقت، استقر الفنان في دبي حيث يعيش ويعمل وحيث أسس مرسمه. وتُعد وفاة زوجة الفنان من التأثيرات الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار، ويُقال إنه عند رحيلها، بدء داحول يأخذ بنصيحة ترقيم لوحات "حلم" بهدف بناء أرشيف.

داحول هو واحد من هؤلاء الفنانين الذين يصنعون العمل الفني ويُطلقونه إلى العالم، مانحين الناس منتهى الحريّة في التوصل إلى استنتاجات خاصة بهم حول العمل، حيث يقول: "لا أحب أن أشرح عملي، بدلًا من ذلك، أجد متعة حقيقية في مشاهدة الجمهور وهو يُحدّق في اللوحة. لا أريد أن أضغط على أحد، ولا أريد إثبات أي شيء. ففي اعتقادي، أنا أقُدّم عملًا مرئيًا، ولكل شخص الحق في تفسيره بطريقة مختلفة".

● القصة التالية

سامية حلبي

وُلدت الفنانة الفلسطينية سامية حلبي في القدس عام 1936 ومارست الرسم لما يزيد عن ستة عقود. وكحال معظم الشخصيات الفنية البارزة والموهوبة، بدأ شغف حلبي بالفن منذ الطفولة وبتشجيع من عائلتها. وفي مقابلة سابقة، أخبرتني حلبي أنها كانت تصنع فُرَش الرسم من ريش الدجاج وبدأت مسيرتها الفنية برسم بورتريهات لأختها وأصدقائها.