اشتهر الفنان بمجموعة أعمال دائمة العطاء تحمل عنوان "كائنات العزلة" وهي سلسلة تصوّر مشهد تكراري لكائنات غريبة الهيئة بأحجام وأشكال مختلفة. في هذه السلسلة، يقف كائنه وحيدًا ومعزولًا، فهكذا تكون هيئته في غالبية أعمال آدم، ومن خلفه بحر أحمر من الاحتمالات. من المفارقات أنه في عام 2007 صوّر الفنان رجل يرتدي قناعًا تزامنًا مع انتشار بعض الأمراض، مثل فيروس سارس وأنفلونزا الطيور، لكن تلك الأحداث تعدّ بعيدة كل البعد عن الواقع الذي عايشه أي شخص يرتدي القناع في سوريا. هكذا كانت معالجة آدم لتلك الأمراض التي تُصيب الجسد مضيفًا إليها بُعد القضايا الاجتماعية في مجتمعات طالها السقم، فبات الفنان متهمًا باستشراف المستقبل استشرافًا يعكس معظمه رؤى قاتمة.
ابتعد آدم بشكل جذري عن أساليب التصوير التقليدية في سوريا حيث رسم كائنات ممسوخة مجرّدة من عدة سمات بشرية ماحيًا العديد من الطبقات، متوغلًا بذلك في الحالة النفسية للكائنات التي يُصوّرها لينقل العواطف والمشاعر الإنسانية الأولية في أصدق صورها.
جسدت لوحات آدم قبح الإنسان دون التوقّف عند القشور الخارجية، وحمله صدق الفنان في داخله إلى عزل الكائن الذي يحتل لوحته باستخدام قناع يحميه يتوارى به عن الجمهور والأعين التي تحاول اختراق روح كائناته النقيّة؛ مما يعكس حالة تمادي في التفكير في ماهية الإنسانية وخوف واشمئزاز من العدمية التي تُدّمر الناس والمجتمعات.
في العمل الذي يُصوّر كائن مُقنّع، يَظهر الشكل كأنه يطفو في فراغ، جاذبًا كل الانتباه إلى الجسد والقناع الدائري الذي يحجب الوجه، مُجسدًا مخاوف الفنان العميقة بأسلوب صادق إلى حدٍ القسوة. على الرغم من بروز سمات وحشية إلى حدٍ ما، يعكس الوضع الملتوي للكائن المُصوّر نوع من القابلية للتلف والتَعَرُّضِيَّة، فترمز الأيادي المبتورة والأقدام غريبة المنظر إلى الأفكار المتعلقة بالعقاب والنبذ الاجتماعي.
آدم، وهو الاسم الذي اتخذه لنفسه بصفته ابن الإنسان، يتربع مكانًا مركزيًا، سيدًا يتقن نزع الأقنعة عن أعماق الروح البشرية، كاشفًا أرواحًا معذبة محاصرة في أجساد هشة وتوجهات مشوشة، لكنها ممتلئة بطاقة الفنان العاطفية. أعمال آدم معبّرة جدًا في سعيها إلى كشف الحقيقة المظلمة للناظرين. على نحوٍ غير متوقع، تحيط بهذه الكائنات ألوان مبهجة، في حين أن أجسادها تُرسم عمومًا بدرجات اللون البني الغامق والظلال السوداء التي تستحضر مشهد المرض والتعفن، وهكذا تكون المواجهة بين الألوان القاتمة والعليلة تقابلها نفحة مفاجئة من اللون الأحمر الزاهي الذي يُمثّل الدفيء والحب.
جدير بالذكر أنه في أوائل التسعينيات عندما بدأ آدم أسلوبه المتوغل في الروح البشرية، متحررًا من مفاهيم الجمال الجسدي لكائناته، كان هو أول من باشر هذا الأسلوب وتبعه جيل كامل من الفنانين الشباب السوريين والعرب الذين بدئوا الرسم بشكل مختلف، وبذلك يعد آدم مدرسة فنية.
سبهان آدم هو رجل العادات حيث يعيش ويعمل في دمشق منذ منتصف التسعينيات، وغالبًا ما تجده جالسًا في مقهى "هافانا" في وضح النهار يطالع الجرائد ويحتسى فنجانًا من القهوة الداكنة، غارقًا في تأمل المارة في الشوارع ومراقبة السلوك البشري وتتبع خفايا النفوس، وقد شوهد أيضًا يتردد على العديد من الحانات الصغيرة بالمدينة القديمة في وقت متأخر من الليل. لقرابة ثلاثة عقود، كان لدمشق دور محوري كمصدر إلهام للفنان؛ ومع ذلك، تظل الحسكة، مسقط رأسه، حاضنة لجذوره. آدم هو الطفل الثامن في عائلة من تسعة أطفال، ورجل يحب أسرته ومصدر دعم كبير للكثيرين في مسقط رأسه، حيث يُنظر إليه على أنه بطل ينحدر من الجزء الشمالي الشرقي الغني من سوريا الذي غادره عندما كان شاعرًا متمردًا شابًا، وفنانًا عصاميًا درّب نفسه ذاتيًا، ومُفكّرًا حمل معه أساطير الحضارات التي تواردت إلى مسقط رأسه وشوارعها الصادحة بعدة لغات، حيث كان الناس من جميع الأديان والمعتقدات يعيشون معًا في حالة من الانسجام قبل عام 2011. ففي الحسكة، يتحدث الناس العربية والأرمنية والكردية وكذلك اللهجات الآشورية واللغات الآرامية الحديثة. هكذا شكلّت هاتان المدينتان المتناقضتان نسيج سرده الفني، وستظلان دائمًا بئرًا عميقًا ينهل منه الإلهام، ولهذا السبب يُصر آدم على البقاء في البلاد.
بطبيعة الحال، أثّرت الأزمة السورية على مزاجه وتوقه إلى العزلة، حيث يجنح إلى تجنب الضوضاء وضجيج الناس الذين يتظاهرون بأنهم من المثقفين. لوحات آدم تتميز بصراحة وبلاغة تُغنيها عن شرح مكنوناتها. في الوقت الحاضر، تحيك لوحات آدم ورسوماته رموزًا قوية للصراع النفسي للشعب السوري والعربي والصدق في العواطف والحزن العميق الملقى على عاتق العالم.
"أتمنى أن يتصل البشر بذاتهم وقيمهم وأن يكونوا بارين بمعتقداتهم ورؤاهم وتكريس الوقت لبناء وعيهم بذاتهم والبحث عن الحقيقة التي تكون أحيانًا قريبة جدًا وبسيطة، وأن ينفصلوا عن عالم وسائل التواصل الاجتماعي الوهمي، وأن يحترم البشر ويتقبلوا بعضهم البعض على الرغم من الاختلافات بينهم، وأن يُكرّموا العزلة التي تكفل بقاء البشرية والقضاء على الضوضاء والتنمر، وأن تتحلى الصداقات والعلاقات بالمسؤولية، والخروج من دائرة التعاقب والتكهنات، ليكونوا فقط على طبيعتهم".
--من حديث سبهان آدم مع هالة خياط، أغسطس 2022.